بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، صحابي من السابقين إلى الإسلام، كان مولى أو عبدا لبني جمح من قريش، أعلن إسلامه فعذبه سيده أمية بن خلف الجمحي القرشي، فابتاعه أبو بكر الصديق وأعتقه. اشتهر بصبره على التعذيب وقولته الشهيرة تحت التعذيب "أحد أحد". كان جميل الصوت يغني في الجاهلية، فعندما ظهر الأذان بعد إسلامه كلفه رسول الله محمد بمهمة الأذان.
شديد السمرة، نحيف، مفرط الطول، كث الشعر، جميل الصوت، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء التي توجه إليه إلا ويحني رأسه ويغض طرفه وعبراته على وجنتيه تسيل ويقول: "إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا". ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما: "أنا بلال وهذا أخي، عبدان من الحبشة، كنا ضالين فهدانا الله، وكنا عبدين فأعتقنا الله، إن تزوجونا فالحمد لله، وإن تمنعونا فالله أكبر".
حبشي من أمة سوداء، عبدان لأناس من بني جمح بمكة، حيث كانت أمه إحدى إمائهم وجواريهم، بدأت أنباء دعوة محمد تنادي سمعه، حين أخذ الناس في مكة يتناقلوها، وكان يصغي إلى أحاديث سادته وأضيافهم، ويوم إسلامه كان رسول الله وأبو بكر معتزلين في غار، إذ مرّ بهما بلال وهو في غنمِ عبد الله بن جدعان، فاطلع رسول الله رأسه من الغار وقال: "يا راعي هل من لبن؟"، فقال بلال: "ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم"، فقال رسول الله: "إيتِ بها!"، فجاء بها بلال، فدعا رسول الله بقعبه، فاعتقلها فحلب في القعب حتى ملأه، فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر، ثم احتلب حتى ملأه فسقى بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانتْ، ثم قال: "يا غلام هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله"، فأسلم، فقال له النبي: "اكتم إسلامك"، ففعل وانصرف بغنمه، وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: "لقد رعيت مرعىً طيباً فعليك به"، فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما، ويتعلّم الإسلام، حتى إذا كان اليوم الرابع، مرّ أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان فقال: "إني أرى غنمك قد نمت وكثر لبنها؟" فقالوا: "قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام، وما نعرف ذلك منها!" فقال: "عبدكم وربّ الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة، فامنعوه أن يرعى المرعى"، فمنعوه من ذلك المرعى.
بعد مرور فترة من إسلامه عرف المشركون بأمره، فتوجهوا إلى سيده عبد الله بن جدعان، وأبلغوه بالأمر وطلبوا منه أن يحكم فيهم، فأمرهم جدعان بأن يأخذه ويفعلوا به ما يشاؤون. وبدأ العذاب فقد كانوا يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى، فيجيبهم: "أحد، أحد".
وإذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد أحد". قال عمار بن ياسر: كلٌّ قد قال ما أرادوا -ويعني المستضعفين المعذّبين قالوا ما أراد المشركون- غير بلال ومرَّ به ورقة بن نوفل وهو يعذب ويقول: "أحد أحد"، فقال: "يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً"، أي بركة.
ذات يوم، كان أمية بن خلف يضرب بلالاً بالسوط، فمرَّ عليه أبو بكر، فقال له: "يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟"، فقال أمية: "أنت أفسدته فأنقذه مما ترى"، وواصل أمية ضربه لبلال، وقد يئس منه، فطلب أبو بكر شراءه، وأعطى أمية ثلاث أواق من الذهب نظير أن يترك بلالا، فقال أمية لأبي بكر الصديق: "فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها"، فقال أبو بكر: "والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها". وبعد أن اشتراه أبو بكر، أطلق سراحه وبات حرا. بعد هجرة رسول الله والمسلمين إلى المدينة، آخى الرسول بين بلال وأبي عبيدة بن الجراح، وشرع رسول الله للصلاة آذانها، واختار بلالا ليكون أول مؤذن في الإسلام.
نشب القتال بين المسلمين وجيش قريش وبلال ضمن جيش المسلمين، وبينما المعركة تقترب من نهايتها، لمح أمية بن خلف عبد الرحمن بن عوف، صاحب رسول الله، فاحتمى به وطلب منه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته فلمحه بلال فصاح قائلا: "رأس الكفر، أمية بن خلف! لا نجوت إن نجا"، ورفع سيفه ليقطع رأسه فصاح به عبد الرحمن بن عوف: "أي بلال إنه أسيري"، ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين، فصاح بأعلى صوته في المسلمين: "يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا"، وأقبلت كوكبة من المسلمين وأحاطت بأمية وابنه، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.
عاش بلال مع رسول الله يشهد معه المشاهد كلها، وكان يزداد قربا من قلب رسول الله الذي وصفه بأنه رجل من أهل الجنة، وجاء فتح مكة، ودخل رسول الله الكعبة ومعه بلال، فأمره أن يؤذن.
ومن فضائله
شديد السمرة، نحيف، مفرط الطول، كث الشعر، جميل الصوت، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء التي توجه إليه إلا ويحني رأسه ويغض طرفه وعبراته على وجنتيه تسيل ويقول: "إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا". ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما: "أنا بلال وهذا أخي، عبدان من الحبشة، كنا ضالين فهدانا الله، وكنا عبدين فأعتقنا الله، إن تزوجونا فالحمد لله، وإن تمنعونا فالله أكبر".
حبشي من أمة سوداء، عبدان لأناس من بني جمح بمكة، حيث كانت أمه إحدى إمائهم وجواريهم، بدأت أنباء دعوة محمد تنادي سمعه، حين أخذ الناس في مكة يتناقلوها، وكان يصغي إلى أحاديث سادته وأضيافهم، ويوم إسلامه كان رسول الله وأبو بكر معتزلين في غار، إذ مرّ بهما بلال وهو في غنمِ عبد الله بن جدعان، فاطلع رسول الله رأسه من الغار وقال: "يا راعي هل من لبن؟"، فقال بلال: "ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم"، فقال رسول الله: "إيتِ بها!"، فجاء بها بلال، فدعا رسول الله بقعبه، فاعتقلها فحلب في القعب حتى ملأه، فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر، ثم احتلب حتى ملأه فسقى بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانتْ، ثم قال: "يا غلام هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله"، فأسلم، فقال له النبي: "اكتم إسلامك"، ففعل وانصرف بغنمه، وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: "لقد رعيت مرعىً طيباً فعليك به"، فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما، ويتعلّم الإسلام، حتى إذا كان اليوم الرابع، مرّ أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان فقال: "إني أرى غنمك قد نمت وكثر لبنها؟" فقالوا: "قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام، وما نعرف ذلك منها!" فقال: "عبدكم وربّ الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة، فامنعوه أن يرعى المرعى"، فمنعوه من ذلك المرعى.
بعد مرور فترة من إسلامه عرف المشركون بأمره، فتوجهوا إلى سيده عبد الله بن جدعان، وأبلغوه بالأمر وطلبوا منه أن يحكم فيهم، فأمرهم جدعان بأن يأخذه ويفعلوا به ما يشاؤون. وبدأ العذاب فقد كانوا يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى، فيجيبهم: "أحد، أحد".
وإذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد أحد". قال عمار بن ياسر: كلٌّ قد قال ما أرادوا -ويعني المستضعفين المعذّبين قالوا ما أراد المشركون- غير بلال ومرَّ به ورقة بن نوفل وهو يعذب ويقول: "أحد أحد"، فقال: "يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً"، أي بركة.
ذات يوم، كان أمية بن خلف يضرب بلالاً بالسوط، فمرَّ عليه أبو بكر، فقال له: "يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟"، فقال أمية: "أنت أفسدته فأنقذه مما ترى"، وواصل أمية ضربه لبلال، وقد يئس منه، فطلب أبو بكر شراءه، وأعطى أمية ثلاث أواق من الذهب نظير أن يترك بلالا، فقال أمية لأبي بكر الصديق: "فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها"، فقال أبو بكر: "والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها". وبعد أن اشتراه أبو بكر، أطلق سراحه وبات حرا. بعد هجرة رسول الله والمسلمين إلى المدينة، آخى الرسول بين بلال وأبي عبيدة بن الجراح، وشرع رسول الله للصلاة آذانها، واختار بلالا ليكون أول مؤذن في الإسلام.
نشب القتال بين المسلمين وجيش قريش وبلال ضمن جيش المسلمين، وبينما المعركة تقترب من نهايتها، لمح أمية بن خلف عبد الرحمن بن عوف، صاحب رسول الله، فاحتمى به وطلب منه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته فلمحه بلال فصاح قائلا: "رأس الكفر، أمية بن خلف! لا نجوت إن نجا"، ورفع سيفه ليقطع رأسه فصاح به عبد الرحمن بن عوف: "أي بلال إنه أسيري"، ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين، فصاح بأعلى صوته في المسلمين: "يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا"، وأقبلت كوكبة من المسلمين وأحاطت بأمية وابنه، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.
عاش بلال مع رسول الله يشهد معه المشاهد كلها، وكان يزداد قربا من قلب رسول الله الذي وصفه بأنه رجل من أهل الجنة، وجاء فتح مكة، ودخل رسول الله الكعبة ومعه بلال، فأمره أن يؤذن.
ومن فضائله