تسمى بغزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع، سمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم باجتماع قبيلة بني المصطلق استعدادها للإغارة على المدينة، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن جمع المسلمين وانطلق إليهم لرد شرهم، وكان خروجه من المدينة في الثاني من شعبان في السنة السادسة من الهجرة، وباغتهم عند منطقة تعرف بماء المريسيع، وعندها نصر الله نبيه ورد كيدهم وانتصر المسلمون انتصاراً كبيراً وغنموا غنائم ضخمة وسلبوا عدداً كبيراً من نساء القبيلة، كان منهم جويرية بنت الحارث ابنة زعيم بني المصطلق، الذي هو الحارث بن ضرار، وكانت ضربة هائلة للقبيلة.
تزوج النبي عليه السلام من جويرية بنت زعيم قبيلة بني المصطلق، وذلك بعد أن أدى عنها كتابها لثابت بن قيس، وكانت من نصيبه في السبي، وكانت جويرية قد أسلمت، ورأى الرسول أنه بهذا الزواج سيقرب قلوب بني المصطلق له، وبخاصة إذا أعتق المسلمون سباياهم من نساء بني المصطلق إكراماً للرسول، وقد حدث ما توقعه الرسول، وأعتق الصحابة سبايا بني المصطلق، وقالوا "أصهار الرسول". فأعتق في ذلك اليوم (يوم زواج رسول الله من جويرية بنت الحارث) أهل مائة بيت، وكان ذلك سببًا في إسلام قبيلة بني المصطلق، فكان نصرًا للمسلمين.
ومع كون غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع ليست من الغزوات الكبرى للرسول، ولم يكن فيها الصراع طويلا، ولا القتلى والشهداء كثيرا، إلا أن هذه الغزوة اكتسبت أهمية خاصة في السيرة النبوية لخطورة الآثار الخبيثة التي تسبب فيها المنافقون، فمن بين المنافقين من رأى الانتصارات المتعددة والغنائم الكثيرة التي جاءت في السرايا والغزوات التي أعقبت الأحزاب، فقرروا الخروج مع المسلمين، وفي هذه الغزوة قد تسببوا في أكثر من أزمة كادت كل واحدة منها أن تطيح بكيان الدولة الإسلامية، وصدق إذ قال الله تعالى في حق المنافقين "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (سورة التوبة، الآية 47).
أما الأزمة الأولى فكانت صراع قام بين المهاجرين والأنصار على السقاية من بئر من آبار المنطقة، حيث تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار، وجهجاه بن سعيد الغفاري الكناني على الماء، فضرب جهجاه سنانا بيده، فنادى سنان يا للأنصار، ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة، فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح، فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا. ثم نجمت عن هذه الفتنة فتنة أخرى خطيرة، وهي فتنة نداء المنافقين في أوساط الأنصار بأن يخرجوا المهاجرين من المدينة.
ثم حدثت فتنة ثالثة وهي حادثة الإفك، وفيه اتهم المنافقون زوجة النبي محمد عائشة بالفاحشة، وقد وقع بعض المؤمنين في الأمر، واتسع نطاق الأزمة حتى شمل المسلمين كلهم ما بين مدافع ومهاجم وما بين مبرئ ومتهم، ولم ينزل وحي في القضية إلا بعد شهر كامل، حين نزل الوحي بتبرئة السيدة عائشة من التهمة الشنيعة التي أثارها المنافقون حولها، واشترك فيها بعض المؤمنين، وكانت حادثة الإفك هذا من أشد الأزمات التي مرت بالمسلمين، ليس في هذه الفترة فقط ولكن في كل فترات السيرة النبوية.
كانت غزوة بني المصطلق هذه في شهر شعبان سنة 6 هـ، ومع أن المدينة كانت تغلي بالأحداث الأخيرة وخاصة حادثة الإفك، إلا أن حركة الجهاد لم تتوقف، حيث خرج الرسول في نفس الشهر شعبان 6 هـ سريتين هامتين جدًّا، أحدهما بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدُومة الجندل على مسافة ضخمة جدًّا من المدينة المنورة. والأخرى إلى ديار بني سعد بفدك، والذين كانوا يعدون قوة للتعاون مع يهود خيبر لحرب المسلمين، وكانت هذه السرية الأخيرة بقيادة علي بن أبي طالب. وفي شهر رمضان سنة 6 هـ أرسل الرسول سرية أخرى إلى بني فزارة في منطقة وادي القرى، وكان على رأسها أبو بكر الصديق أو زيد بن حارثة، وكانت هناك امرأة تدعى أم قرفة قد أعدت فرقة من ثلاثين فارسًا لاغتيال الرسول، وقد واجهت السرية هؤلاء الفرسان الثلاثين فقتِل المشركون جميعًا. ثم ازداد نشاط المسلمين جدًّا في شهر شوال سنة 6 هـ، فأخرج الرسول ثلاث سرايا، أما الأولى فكانت إلى مجموعة من المشركين من قبائل عكل وعرينة، وكانوا أظهروا الإسلام ثم غدروا بأصحاب الرسول وقتلوا واحدا منهم وسرقوا كمية من الإبل، فأرسل محمد في أثرهم سرية بقيادة كرز بن جابر الفهري، واستطاع الإمساك بهم وقتلهم، وتمكن من استرداد الإبل.
وأما السرية الثانية في شهر شوال فكانت سرية بقيادة عبد الله بن رواحة، وكانت مهمتها اغتيال اليُسير بن رِزام أمير خيبر، وهو من أكابر اليهود، ومن الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر ووادي القرى لحرب المسلمين، ولم يكتف بذلك، بل بد
تزوج النبي عليه السلام من جويرية بنت زعيم قبيلة بني المصطلق، وذلك بعد أن أدى عنها كتابها لثابت بن قيس، وكانت من نصيبه في السبي، وكانت جويرية قد أسلمت، ورأى الرسول أنه بهذا الزواج سيقرب قلوب بني المصطلق له، وبخاصة إذا أعتق المسلمون سباياهم من نساء بني المصطلق إكراماً للرسول، وقد حدث ما توقعه الرسول، وأعتق الصحابة سبايا بني المصطلق، وقالوا "أصهار الرسول". فأعتق في ذلك اليوم (يوم زواج رسول الله من جويرية بنت الحارث) أهل مائة بيت، وكان ذلك سببًا في إسلام قبيلة بني المصطلق، فكان نصرًا للمسلمين.
ومع كون غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع ليست من الغزوات الكبرى للرسول، ولم يكن فيها الصراع طويلا، ولا القتلى والشهداء كثيرا، إلا أن هذه الغزوة اكتسبت أهمية خاصة في السيرة النبوية لخطورة الآثار الخبيثة التي تسبب فيها المنافقون، فمن بين المنافقين من رأى الانتصارات المتعددة والغنائم الكثيرة التي جاءت في السرايا والغزوات التي أعقبت الأحزاب، فقرروا الخروج مع المسلمين، وفي هذه الغزوة قد تسببوا في أكثر من أزمة كادت كل واحدة منها أن تطيح بكيان الدولة الإسلامية، وصدق إذ قال الله تعالى في حق المنافقين "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (سورة التوبة، الآية 47).
أما الأزمة الأولى فكانت صراع قام بين المهاجرين والأنصار على السقاية من بئر من آبار المنطقة، حيث تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار، وجهجاه بن سعيد الغفاري الكناني على الماء، فضرب جهجاه سنانا بيده، فنادى سنان يا للأنصار، ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة، فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح، فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا. ثم نجمت عن هذه الفتنة فتنة أخرى خطيرة، وهي فتنة نداء المنافقين في أوساط الأنصار بأن يخرجوا المهاجرين من المدينة.
ثم حدثت فتنة ثالثة وهي حادثة الإفك، وفيه اتهم المنافقون زوجة النبي محمد عائشة بالفاحشة، وقد وقع بعض المؤمنين في الأمر، واتسع نطاق الأزمة حتى شمل المسلمين كلهم ما بين مدافع ومهاجم وما بين مبرئ ومتهم، ولم ينزل وحي في القضية إلا بعد شهر كامل، حين نزل الوحي بتبرئة السيدة عائشة من التهمة الشنيعة التي أثارها المنافقون حولها، واشترك فيها بعض المؤمنين، وكانت حادثة الإفك هذا من أشد الأزمات التي مرت بالمسلمين، ليس في هذه الفترة فقط ولكن في كل فترات السيرة النبوية.
كانت غزوة بني المصطلق هذه في شهر شعبان سنة 6 هـ، ومع أن المدينة كانت تغلي بالأحداث الأخيرة وخاصة حادثة الإفك، إلا أن حركة الجهاد لم تتوقف، حيث خرج الرسول في نفس الشهر شعبان 6 هـ سريتين هامتين جدًّا، أحدهما بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدُومة الجندل على مسافة ضخمة جدًّا من المدينة المنورة. والأخرى إلى ديار بني سعد بفدك، والذين كانوا يعدون قوة للتعاون مع يهود خيبر لحرب المسلمين، وكانت هذه السرية الأخيرة بقيادة علي بن أبي طالب. وفي شهر رمضان سنة 6 هـ أرسل الرسول سرية أخرى إلى بني فزارة في منطقة وادي القرى، وكان على رأسها أبو بكر الصديق أو زيد بن حارثة، وكانت هناك امرأة تدعى أم قرفة قد أعدت فرقة من ثلاثين فارسًا لاغتيال الرسول، وقد واجهت السرية هؤلاء الفرسان الثلاثين فقتِل المشركون جميعًا. ثم ازداد نشاط المسلمين جدًّا في شهر شوال سنة 6 هـ، فأخرج الرسول ثلاث سرايا، أما الأولى فكانت إلى مجموعة من المشركين من قبائل عكل وعرينة، وكانوا أظهروا الإسلام ثم غدروا بأصحاب الرسول وقتلوا واحدا منهم وسرقوا كمية من الإبل، فأرسل محمد في أثرهم سرية بقيادة كرز بن جابر الفهري، واستطاع الإمساك بهم وقتلهم، وتمكن من استرداد الإبل.
وأما السرية الثانية في شهر شوال فكانت سرية بقيادة عبد الله بن رواحة، وكانت مهمتها اغتيال اليُسير بن رِزام أمير خيبر، وهو من أكابر اليهود، ومن الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر ووادي القرى لحرب المسلمين، ولم يكتف بذلك، بل بد